هل الجلد سيد الاحكام

عبدالله المعلمي - «
جريدة المدينة السعودية » - 23 / 2
/ 2009م - 3:05 م





لا
أدري لماذا أصبح الجلد هو العقوبة المفضلة لدى بعض أصحاب الفضيلة القضاة ؟.. ولا
أدري لماذا أصبح بعض أصحاب الفضيلة القضاة يتفننون في اختيار أرقام بالمئات وربما
بالآلاف لعدد الجلدات التي يوقعونها على من تثبت ادانتهم بجرائم تتراوح ما بين شتم
موظف البلدية وبين القتل أو السرقة؟.. هل لهذه الظاهرة علاقة بنوعية التعليم
التقليدي الذي تلقاه كثير من أصحاب الفضيلة في مراحل دراستهم الأولى؟.. وهل هي جزء
من صورة الكتاتيب التي يقف فيها الشيخ أو المعلم حاملاً عصاه الطويلة التي يصل بها
إلى أقصى طالب في الفصل؟

في
احدى الحالات حكم القاضي على تاجر شتم موظف البلدية بدفع غرامة مالية ورأى القاضي
ان تحول هذه الغرامة إلى حساب جمعية خيرية .. ولكن جهة قضائية أعلى اعترضت على
الحكم فعاد القاضي إلى حكم تقليدي وهو السجن والجلد.

في
حالة أخرى حكم القاضي بجلد طالب ادين بتهمة ما وأمر بأن ينفذ الحكم في ساحة المدرسة
واعترض مدير المدرسة قائلاً ان الجلد ليس عملاً تربوياً ناجعاً وان تنفيذه في ساحة
المدرسة وامام التلاميذ سوف تكون له عواقب نفسية وتربوية وخيمة على الطلبة، وانتصرت
وزارة التربية والتعليم لموقف المدير ومنع التنفيذ في المدرسة.

أما
في مدرسة أخرى فلقد حكم القاضي على تلميذ ادين بالاساءة إلى مدير المدرسة ومعلمين
اخرين بالجلد 350 جلدة ينفذ جزء منها في ساحة المدرسة، وربما لأن مدير المدرسة كان
الطرف الذي طالب بحقه الخاص فانه لم يجد غضاضة في السماح للحكم بأن ينفذ في
المدرسة، ولا أدري ان كانت وزارة التربية والتعليم قد اتخذت موقفاً لمحاسبة المدير
الذي سمح بتنفيذ الجلد في المدرسة، انسجاماً مع ما ذكرته الوزارة في الحالة الأخرى
حول اضرار الجلد وعواقبه الوخيمة على الطلبة.

الغريب
ان الطالب المدان كان وقت ارتكابه لما ادين به في الثالثة عشرة من عمره، أي انه بكل
المفاهيم والمقاييس العقلانية والمواثيق الدولية كان طفلاً .. ولا أدري ان كانت
تربية الأطفال أو تأديبهم تتضمن الجلد بمئات الجلدات، كما ان الخبر ذاته قد ذكر ان
ما فعله الطالب كان بتحريض من بعض أقاربه، ولكن لم يذكر لنا ما إذا كان فضيلة
القاضي قد أمر بجلد المحرضين أم انه اكتفى بصب جام غضبه وعدالته على الطفل الذي أمر
أيضاً بسجنه لمدة ثلاثة أشهر !!

وفي
حالات أخرى سمعنا عن ايقاع عقوبة الجلد بمعلمين أو أطباء بمئات الجلدات وربما بالآف
الجلدات وأن يتم التنفيذ في بعضها في أماكن عامة، وكأننا مفتونون بتثبيت الصورة
النمطية عن بلادنا في اذهان العالم والتي لا تعكس عدالة الإسلام وسماحته وإنسانيته
وتكريمه لابن آدم، وانما تلتقط بانتقائية صور الحدود والجلدات وما إليها لتسيء إلى
الإسلام والمسلمين.

نعم
الجلد عقوبة شرعية، شرعها الله سبحانه وتعالى لجرائم محددة ذكرت نصاً في القرآن
الكريم، والجلد عقوبة تعزيرية شرعتها السنة الشريفة ووضعت لها حداً أقصى قدره عشر
جلدات في ما لم يرد بشأنه نص، والجلد يحمل في طياته معاني من الاهانة والاذلال لا
ينبغي ان يسارع إلى الصاقها في كل حالة والمبالغة في الحكم بها.

يا
أصحاب الفضيلة.. ليس الجلد هو سيد الأحكام!