بسم الله الرحمن الرحيم
معظمنا سمع او قرأ عن احداث بقيع الغرقد المؤسفة والمؤلمة التي وقعت عصر يوم
الجمعة 25 صفر 1430هـ، الموافق 20 شباط/ فبراير2009م؛ فماهي اسبابها وكيف تمت
معالجتها؟
هناك روايتان
مختلفتان عن الحادثة. رواية عامة، يرويها بعض شهود العيان، مفادها، كما اوردتها "شبكة راصد" "ان شرارة
الاعتصام بدأت حين عمد عناصر من "الهيئة" إلى تصوير النساء الشيعة اللاتي كن يؤدين
مراسم زيارة أئمة البقيع جوار الحرم النبوي الشريف بكاميرات الفيديو.
وتلفظ عناصر الهيئة أثناء ذلك على عشرات الزائرات بألفاظ بذيئة من قبيل المشركات
والرافضيات وبنات المتعة ليأتي ردّ النساء بوابل من الأحذية التي انهالت على
المطاوعة".
الواضح من هذه الرواية ان اللوم يقع على عنصر الهيئة بسبب تصرفه تجاه
"الزائرات".
الرواية الرسمية، كما نقلت هنا في "راصد" عن صحف سعودية تقول: "أن الناطق
الإعلامي لشرطة المنطقة محسن الردادي وفي تصريحات نشرتها الصحف السعودية السبت اتهم
الزوار الشيعة "بإحداث فوضى ورفع الأصوات أمام بوابة البقيع".
مرجعا سبب الاعتصام لاعتقال الشرطة خمسة من الزوار الشيعة رفضوا الالتزام بموعد
انتهاء زيارة مقبرة البقيع".
المفهوم من هذه الرواية ان اللوم يقع على الزوار الشيعة بسبب عدم امتثال "خمسة
من الزوار" بانتهاء موعد الزيارة.
من يحاول ان يحلل ما حدث وهو بعيد عن الموقع فسيلجأ الى مصادر اخرى، كتقرير مصور
«بالصوت والصورة» كشاهد عيان لا يكذب. الصور المتوفرة على "اليو تيوب" تظهر ان
التجمهر النسائي غفير مما يرجح الرواية العامة.
لكن ايا تكن الرواية الصحيحة، فالقاسم المشترك بينهما هو وجود عناصر الهيئة
والشرطة، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل تصرف المسؤولين في الحالتين صحيح؟!
الاجابة المنطقية هي لا؛ لكن اذا كانت واضحة في الرواية العامة نتيجة لاستفزاز
من عنصر الهيئة لمجموعة من النساء، فاننا في الرواية الرسمية نحتاج الى توضيح بطرح
بعض الاسئلة البسيطة:
• لنفترض جدلا ان الاشخاص الخمسة رفضوا التقيد بموعد الزيارة، وهذا احتمال وارد،
لكن هل يستجدي هذا العمل "الاعتقال"؟!
• اليس هذا تصرف غير حكيم واستفزاز غير مبرر من عناصر حكومية مسؤولة؟!
• ما هو الضرر الذي سيحدث لو ان فترة الزيارة مددت بضع دقائق نظرا لكثرة
الزوار؟!
• اهذا هو الاسلوب الاصلح والاحسن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي امرنا
به رب العالمين بقوله في آية 125 من سورة النحل:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ ﴾؟!
• ولماذا هذه الطريقة في المعاملة في هذا الوقت بالذات، وما هي الرسالة المقصودة
بُعيد تعيين رئيس جديد لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، المتوقع منه الوسطية
والاعتدال؟! اهي رسالة موجهة ضده بلسان حال يقول: لن نغير من اسلوبنا القديم
المتشدد في العمل حتى لو تغير رئيسنا؟!
• ثم، فوق هذا وذاك، ما هي عواقب هذا التصرف الذي يأتي في اجواء ملؤها الامل
والتفاؤل بالخطوات الاصلاحية والتوافقية والحوارية التي اتخذها خادم الحرمين
الشريفين، يحفظه الله، محليا واقليميا ودوليا؟!
ارجو ان لا تكون الحادثة مصدرا جديدا للمزيد من الاحتقان، فمن يتصفح الشبكة
العالمية ويدخل الى بعض المواقع ويقرأ عن ردود الافعال فسيقشعر بدنه مما يجد فيها
من تحريض يصل لدرجة المطالبة "بإبادة الشيعة" في المملكة.
مما تقدم «استنتاج وليس حكما» لا شك انها رسالة سيئة جدا ايا يكن سببها او الهدف
منها.
لهذا المطلوب الآن هو تقويض نتائجها والانتباه الى تداعياتها لكيلا تخرج عن نطاق
السيطرة فتحدث اشياء لا تحمد عقباها في وقت نحن احوج فيه الى الحفاظ على وحدة الوطن
وامنه وامانه.